Saturday 22 November 2008

حلم اتحقق


لسة الأحلام كتييييييييير :)
تم طرح كتاب" السابعة والنصف مساء الأربعاء" أول إصدار للكتب خان وأول تجربة نشر لينا، الكتاب موجود حاليا بالكتب خان وقريبا بجميع المكتبات.

Monday 17 November 2008

لقطات من حياة الست سعاد – عن العيال بالذات نبيل


"في أول الزمن مكانش يهمني، ولد ييجي، بنت تروح...ما أنا صغيرة"
(هكذا بدأت الست سوسو حديثها عن العيال)

كانت سعاد في أوائل شهرها التاسع حينما قررت اصطحاب سامية إلي السوق لشراء "غدوة سمك" لعلي وأبناء عمه القادمين من البلد (سامية في السادسة عشر من عمرها، تساعد الست سعاد في أعمال المنزل، لم تعاملها يوما كخادمة، بل صاحبتها واعتبرتها في معزة احدي بناتها. هكذا كان الحال مع بقية من عملن في أي وقت ببيتها). تحب سوسو ان تشرف علي شوي السمك بنفسها. بل تحب ان تشرف علي كل شئ بنفسها، فلا تترك القرار أو الخيار لغيرها.

بعد شراء السمك و التحابيش اللازمة لأكلة السمك عادتا إلي البيت. كانت سامية قد سبقتها إلي الشقة لتضع المشتريات أما سوسو فكانت قد أرهقت فقررت الصعود علي مهل. علي الباب استقبلها محمد (ابنها البكري) وسألها عن أخوه؟؟ ضحكت وقالت له انه سيأتي بعد ثلاث أسابيع تقريبا "انت مستعجل ليه؟" فأقترب منها وأحاط بطنها المنتفخة بكفيه الصغيرين في حنو وهو يسأل "هتيجي تاكل سمك معانا النهاردة يا حبيبي؟؟"
فزعت سعاد لكنها حاولت ان تتجاهل كلام ابنها. سلمت علي الضيوف وهمست في أذن علي "أنا شكلي هولد"!! فضحك وأكد لها "لسة بدري".

تعتقد سوسو ان بمحمد- الذي كان قد أكمل عامة الثالث عندما كانت علي وشك وضع مولودها نبيل- "شئ لله" .
وبالفعل ولد نبيل في نفس اليوم بعد معاناة وتعب. استمرت الولادة حوالي ثلاث ساعات. التفت النسوة حول سعاد وعلي رأسهم الست حفصة والداية. تصرخ سعاد وتستعطف الطفل لينزل و"يريحها" أما هو فأبي، صمد، وكمن في جحره.
محاولات ومحاولات حتي فطنت الداية لوجود ست حفصة (وهي عاقر) فطلبت منها ان تخرج وتأتي بفوطة جافة جديدة. حدث الأمر في ثوان، ما ان خرجت الست حفصة من الباب، قرر المولود الجروح من مكمنه و اختلطت صرخاته بالزغاريد التي دوت في جنبات بيت الست سوسو. (في هذه الأثناء قامت الست حفصة بإحضار زوجها وأسقطت الخلاص من فتحة صدر جلبابه والتقطته من الأسفل)

ده "ابن موت يا سعاد" كانت أول جملة قالتها الست حفصة وهي تحمل نبيل، قالتها بأمومة وحزن شديدين.
انتفضت سعاد رغم الألم و المعاناة بعد ولادة عسرة وكررت "فال الله ولافالك" "فال الله ولا فالك". بكت كثيرا عندما حملته؛ كان الطفل جميل، طويل، عريض..."كان فعلاً ملاك" والملائكة ملك السماء لا الأرض.

في الشهور الأربع التالية للولادة تناست الست سعاد كل شئ و كرست كل ثانية من يومها لنبيل..عسي ألا يصيبه مكروه وتخيب نبوءة الست حفصة. مرت سنة واحتفلت بأول عيد ميلاد له...فشعرت بالطمأنينة ونست أمر النبوءة. صح الطفل وازداد وزنه وحجمه؛ حينما تراه كأنك تري طفل في الثالثة مع انه لم يكمل ثلاث شهور بعد السنة الأولي.. إلا ان علاقتها بالست حفصة اختلفت، فترت، فقلت الزيارات وأصبحت العلاقة علي حسب كلامها "صباح الخير يا جاري انت في حالك و أنا في حالي".

مر الوقت وفي محاولة لإعادة المياه لمجاريها، دعت الست حفصة سوسو إلي فنجان قهوة محوج في شقتها، "وعشان العشرة والعيش والملح" لبت الدعوة. "علي كان اجازة يومها"، فأمضت ساعات النهار عند حفصة يفترشن الكنبة الأسمنتية يتكلمن، يحتسين القهوة، يستمتعن بطعم ورائحة الزبدة الذائبة في أطباق الفول والبيض البلدي. وحوالي الساعة الثالثة طرقت سامية باب الست حفصة بقوة، طرقات متتالية..جرت سوسو نحو الباب مرددة ودموعها تنهمر فتبلل سفرة الجلابية "استر يا رب..استر يارب".
لم تري سامية التي همت بقول شئ، أزاحتها ونزلت علي السلم حتي وصلت إلي شقتها، حاول علي ان يمهد لها الأمر...لكن لم يفلح في إيقافها حتي وصلت إلي باب الغرفة التي يرقد بها نبيل. رأته بجسده الكبير وقد لفت رأسه شاشة بيضاء انتهت بعقدة...قالوا لها مات. أكدوا لها إنهم حاولوا، لم يفلح الطبيب.

تقول سوسو "هما يقولوا لي السر الإلهي طلع. وأنا شايفاه بيبصلي و يقوللي تعالي ياماما"

ومثلما قالت فهي كانت صغيرة آنذاك، أما الآن فكبرت وأصبح لها من زينة الدنيا ولد وبنتين ولكل منهم أولاد، أي ان الست سوسو جدة. ولكن بما إنها تؤمن أن "أعز الولد ولد الولد" فهي ليست تيتا سوسو أو نينا سوسو.. إنما "ماما سوسو".
لقطات أخري من حياة الست سعاد:

Sunday 16 November 2008

أنا بعشق البحر

و دي كدبة كبيرة..
أو لأكون أكثر دقة أنا لا أعشقه لأني أخاف منه، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن أكرهه..فعكس الخوف...ال...ال.....؟؟ -أفشل دائما في إيجاد عكس الكلمة الصحيح- الشجاعة؟؟ إذا قلت إني لا أعشقه بل فقط أحبه أكون قد تمكنت بمهارة من عدم الوقوع في فخ المبالغة وأوضحت حالة حب رمزية بين إنسان و؟؟ و"إيه"؟؟ بما نعرف البحر؟؟ هل نعرفه علي انه مظهر من مظاهر الطبيعة...فقط؟؟

أعرف أشخاص يأتمنوا البحر علي أدق أسرارهم و يثقون فيه ليس لأنهم لا يثقون بأقرب الناس اليهم، بل لأنه يستمع اليهم بلا ملل البعض يتوهم/يثق انه يرد ويناقش وقد يسدي النصيحة. نفس الحال مع الإنسان والحيوان..قد يجد الإنسان في قطة، كلب، عصفور، أو أي كائن صغير الحب و الحنان و الدفء الذي لا يوفره الإنسان. هنا يمكننا ان نخرج بنتيجة ما و هي ان الإنسان بطبعه أناني قد تراها نتيجة قاسية لكنها منطقية فهو يفضل ان يتكلم و يسمع علي ان يستمع و هذا حقه الطبيعي ان جاز القول.

"نرجع للبحر"!!

أما أنا فتعلمت ان أتعامل معه بحيادية أخاف من غدره و غموضه ولكني أعشق رائحته. و أكثر لحظات سعادتي هي رؤية شمس المغربية المستديرة وقد تأمرا البحر والسماء عليها فهموا بقضمها قضمة فقضمة " بمزاج"، فتذوب علي نسيج لسان البحر.

Monday 3 November 2008

عن مزاج "مش قد كده"

قررت اليوم أن استبدل قهوتي الأمريكاني السوداء القاتمة بقهوة مضحكة. نعم... هذه التي ابتاعتها أمي؛ قهوة تركي بالكريمة والبندق. كتبت عليها ملصق وهمي "قهوة مضحكة للصباحات الرمادية"...احتسيتها ببطء شديد، فملأت رائحتها أنفي وغرقت في الفنجان فطفا علي سطحه اللون الوردي

Saturday 25 October 2008

عن لحظات "بتوجع"

أنا في حالة شجار دائم مع الوحدة. تطاردني كثيرا فأهرب منها، تحاصرني فأتملص منها بعنف، لم تستطع أن تقهرني و لو مرة واحدة. لكن هذه المرة ضيقت علي الخناق ولا املك من القوة ما يكفي لصدها، فقط صرخت عسي أن أفيق من كابوس، أو تتحول الي فقاعة كارتونية فتخاف من صوتي و تهرب، أو تبتلعني فأرتاح.

Friday 18 July 2008

عن نجمتي الذهبية

أجلس (وحدي) علي بعد يكفي ان أنفصل نسبيا عن من حولي، لاحظت مؤخرا انني استمتع بوجودي معي لا مع الأخرين. عادة أضفتها الي قائمة عاداتي الجديدة. أذهب الي المقهي وأحتسي فناجين قهوتي. أراقب من حولي... قررت ان أراقب الناس، أن أعرف كيف يتصرف "الأخرون"؛ فأنا الكائن الغريب، ومن الواضح انني في هذه المرحلة الهامة يتعين علي المراقبة عن كثب. أعجبتني الهواية وأحترفت المراقبة...صرت أقيم تصرفاتهم وأصدر احكاما علي اغلبهم. قد تأخذني الشفقة بقليل منهم، أو أبدي اعجاب سري بأحد فأصفق من داخلي و اقرر أن أهديه نجمة...نجمة ذهبية كالتي طالما زينت كراساتي الصغيرة.


في المدرسة كنت افرح بالنجوم الذهبية وأعود الي البيت حاملة كراساتي المزينة بها لتتصدر طاولة الغداء. أما النجوم الفضية فكانت تفرحني ايضا، جميلة و لامعة كالذهبية لكنها اقل اشراقا فلا تحظي بمراسم الأستقبال الملكي علي طاولة الغداء. حصلت في أحد الأيام علي نجمة خضراء أو برتقالية -لا أذكر اللون بالتحديد-... فكان من أسوء ايام حياتي . تحججت مدرستي بنفاذ النجمات الذهبية و انها سوف تبدلها لي في صباح الغد...لم أقتنع. لونها والدي بقلم فلومستر فلم تتغير النتيجة بل زاد النجمة بشاعة. قالت لي امي ان النجمة نجمة مهما كان لونها....فاستمتعي بدلالاتها بدلا من استهجانها. أتحبين ان يعايرك احد بلون بشرتك؟؟


أمامي الأن قدح كبير من "اللاتيه"، قدح ذو بياض كالح ، قدح بأذنين يشبه القفه....قدح قبيح. ...وللتأكيد قدح قبيح جدا وغير مريح بالمرة. أخيرا استطعت ان احدد، ان ابتعد عن المطلق في وصفي لشئ. أكاد أجن من الفرح لقدرتي علي التحديد و الوصف، و الأغرب ان أفصح عن رأيي الصادق المؤلم بصراحة وسعادة... في العادي قد أشعر بعدم الراحة من منظره أو أفرغ ما بداخله بجوفي وأقرر عدم شرب قهوتي المفضلة في هذا المكان دون ان أحدد السبب. ونظرا لاني قررت التخلص مني..ها انا ذا أنعته بالقبح. رأيت قطرات الماء تنسدل علي جانبيه....أهنته "أي نعم" ...قربته الي فمي متمتة بغير اقتناع "أنا خايفة علي مصلحتك".

وجأت أول رشفه مرررررررررررة....لا بل مالحة. أفضي الملعون دموعه بقهوتي واستبدلها بسكري البني ليكحل به عيونه التي أرهقها البكاء ليعاقبني علي أول تقدم ملحوظ في علاقتي بنفسي..والأخرين. وضعته أمامي مكتفيه بالسرحان في الرغوة البيضاء الكثيفة وبقايا قلب من القهوة علي وشك التلاشي بحميمية في البياض. البياض الذي خلته قشدة وانا في الثامنة أحتسي الكابوتشينو لأول مرة مع أمي في الأكسليسيور....لحظة تمنت أمي أن تنشق الأرض وتبتلعها. رفضت شرب ما بداخل الفنجان الصغير، فحاولت اقناعي انه لذيذ وأن الطبقة البيضاء مجرد رغوة لا قشدة ولا يحزنون...بدأت تضغط علي فرردت ببكاء وصراخ مخيف. دفعت الحساب وانتفضت واقفة أمرة ان اتبعها خارج المحل...في التاكسي نظرت الي معاتبة بكلام فهمته لاحقا...إن لم تثقي بأمك فبمن إذاً تثقي!!


* "من بين مئات الرجال لا تخطئ المرأة رجلا أحبته يوما، تعرف انحناءة ظهره، و العصب الذي يتوتر مشدودا في مؤخرة رقبته حين يميل رأسه، تميز لون شعره حتي لو مسح الزمان لونه"....رأيت وجهها وعرفته من ظهره. "ليس اليوم...ليس اليوم". لست في حاجة لرؤيته اليوم فمابالك بصحبة "إحداهن"!! يجلس في وضعية الأمراء كعادته مع الجديدات...يقص القصص ويتفاخر، يقترب بثبات وحنان ويبتعد في الوقت المحدد...لتقترب هي باندفاع وشحنة مضاعفة من العواطف...يقابلها بشغف مشوب بحذر. أعرف اللعبة، لعبتها معه. أقسم اني أيقنت حينئذ انها فقط لعبة وعلينا الألتزام بأصولها.


أحببته، صارحته، صادقني...ليس إلا. قرر ألا يدعني ارحل بعيدا عن مملكته وقبلت. يذكرني عندما تكشر له الدنيا عن أنيابها..و يتمكن البرد من ثنايا عظامه، فيبحث عني. يستدعيني فأنفخ فيه ذرة من دفئ تكفيه. حكيت له مرة عن نجوم كراساتي الملونة، وأزمة الثقة، تمنيت في هذه اللحظة ان يخرج من جعبته نجمة ذهبية و يضعها علي جبيني.




*من مجموعة الشيخوخة و قصص أخري - د. لطيفة الزيات

Saturday 12 July 2008

عن أية

كعادتها في الحادية عشرة صباحاً من كل يوم، تدفع باب المكتب بالعكس فيطقطق بغلاسة...أرفع عيني إليها مؤنبة فتضحك قائلة "ياخراشي..بانسى) يا أستاذة". أضحك وأعطيها ورقة بطلباتي اليومية التي تكاد تكون قد حفظتها عن ظهر قلب. تسألني علي سبيل العادة لا الاهتمام "عايزة حاجة تانية!!"

ألمح حذاءا جديدا تعمدت رفع بنطلونها عنه...فأجبتها شاكرة وغمزتُ قائلة "مبروك عالأرض"
بسعادة وبسرعة ردت "حلوة يا أستاذة!!" دي جزمة العيد..بس أنا عيدت بدري". جميلة يا آية مبروك عليكي...كل سنة و انتي طيبة."

انطلقت مسرعة خارج المكتب وبالطبع لم تفوت فرصة فتح الباب في الاتجاه المعاكس لتستكمل سيمفونية العكننة التي
بدأتها منذ دقائق. ذكّرتني آية بعيد القيامة. علي ورقة صفراء لاصقة أضفت مهمة جديدة إلي مايجب عليّ إنجازه في عطلة نهاية الأسبوع:
5- إعداد قائمة معايدات عيد القيامة ...أبدأ بكتابة الأسماء ثم أنظر في اتجاه الباب محاولة استرجاع صورة آية...ترتدي للعمل –عادةً- حذاء رياضي أسود، بنطلون كحلي غامق، قميص أبيض طويل بخطوط طولية بنفس لون البنطلون؛ في الغالب أكبر قياسين ثلاثة من مقاسها الحقيقي... وإيشارب أصفر..."أيوة أصفر"!!

رأيتها أكثر من مرة تغادر العمل مرتدية جينز وشئ طويل بين الفستان والتي شيرت و قد غطت وجهها الأسمر ببودرة بيضاء ولونت دائرتين مكتملتين علي خديها باللون الأحمر، تفوح منها رائحة عطر رخيص نفاذ...أما الإيشارب الأصفر فظهر أيضا في الصورة ولكن بربطة مختلفة. أعجبت وقتها بثقتها في نفسها و تمنيت لو استطعت أن أمنعها من النزول إلي الشارع متقمصة شخصية خيمة السيرك الملونة.

Sunday 15 June 2008

بداية!!

لا أعرف لما تنتهي هذه الكلمة بتاء مربوطة، كأنها المؤامرة علي إغلاق دائرة لم يقدر لها –في رأيي- أن تغلق. لا تنتهي البدايات إلا بانتهاء العمر!! و حتي هذا التفسير لا يقنعني بعض الشئ؛ فبعد انقطاع النفس تصعد الروح إلي بارئها..و هذه بداية أخري لا أعرف الكثير عنها...لكنها حتماً بداية جديدة.

أغلب الناس يبكون النهايات ويتفادونها. أما أنا فابحث عنها. أعتبرها نذير خير، ستتعبها حتماً بداية جديدة..ألمح طرف غد قد يكون أحلي أو أمر.. فيرتفع مستوي الأدرنالين في دمي، أودع الماضي بقبلة صادقة علي جبينه و أجري بسرعة لألمس طرف البداية الجديدة حتي لا ينتهي بي الحال حبيسة برزخ "الآن".
مؤلمة النهايات، لكن سراب البداية ، و توابعها من علامات الاستفهام، و التعجب، و الترقب، و ما تحمله الرحلة من مفاجأت..أحلي من أمس كان أوله سكر و أخره علقم.

Friday 2 May 2008

دراما، دراما، دراما

اتمشي يوميا حوالي سبع دقائف حتي اصل الي مقر عملي، في صباح هذا اليوم ارتديت فستان رمادي ولأضفي اللمسة الصيفية علي مظهري زينته بحزام احمر بنفس لون حقيبة يدي و الحذاء. المهم..بدأت تمشيتي الصباحية بتحية من القلب لكلب أصفر اتخذ من سطح سيارة مركز يطل منه علي بشر في عجلة من أمرهم يسبون و يلعنون و اخرون يزينون الصباحات الصيفية الرطبة بالأحمر.

تعثرت قدمي بين بلاطتين علي الرصيف، تمكنت من عدم فقدان اتزاني و مضيت في طريقي بمنتهي الثقة . لاحظت شئ غريب في خطواتي..رفض عقلي تصديق حدسي و أكدت عيني عندما نظرت خلفي أن كعبي الأحمر الصغير قد وقع في غرام البلاطتين، استأنس بهم و اتخذ له مأوي. نظرت اليه معاتبة علي فراقي ورحت التقطه و انا اكتم كريزة ضحك علي وشك ان تفجرني. تسألني عما حدث بقية اليوم. فأؤكد لك ان يومي سار "عادي" جدا..لكني خفت علي نفسي من الأنفجار فناديت لأقرب زميلة و حكيت لها حكاية الكعب الأحمر المكسور و انفجرنا في الضحك سويأ.

لا أعرف لما أحكي لك هذه الحكاية الأن..فهي حكاية سخيفة..لكن هل تصدقني ان قلت انها كانت اخر مرة ضحكت فيها "بجد"!!

أفكر جدياً في استشارة طبيب نفسي (يو نيد تو سيك بروفيشنال هلب) قلتها مازحاً محتضناًً رأسي .."بجد". اعتقد اني بحاجة الي المساعدة. تخيل! ذهبت بالأمس مع صديقة الي السينما لنشاهد احد الأفلام الكوميدية و مع بداية العرض...ممم..لا بل قبل بداية العرض تهيأ لي ان الصالة ستنهار. لا...لا بل سينهار هذا المبني الضخم بعمدانه الرخامية الغليظة المستفزة. قمت من مقعدي بسرعة متحججة بشراء زجاجة مياة؛ لأترك مقعدي بالرؤية المرعبة ام لأهرب من اقرب مخرج طوارئ لا أعرف..و تركت صديقتي.

(انا طول عمري خايفة من حاجة..يمكن بسبب الحلم!!) "خير اللهم اجعه خير" ، اتجاهل تهكمك و ادخل في الموضوع بجدية.

وانا في السابعة حلمت اني اركب سيارة يقودها سائف تعرفت عليه و قتها لكني لا استطيع تذكره الأن. كان يقطع احد الكباري و فجأة انحرفت السيارة و اتجهت ناحية النهر و بدأت في السقوط..الطريف ان الحدث لم يخيفني بالعكس جلست بمنتهي الثبات في السيارة أعد؛ و احد، اتنين، تلاته......حتي اقترتب السيارة من المياة، و استيقظت. و من ساعتها و انا في انتظار اختفاء السيارة في الماء، في انتظار الأرتطام-أميل الي الدراما في بعض الأحيان-، في انتظار السقوط.

مع كل خطوة أنتظر ان تذل قدمي و أسقط (هكذا بمنتهي السلاسة) . يغمرني احساس بالزهو حين أنجو من احدي العثرات و أنتصر علي قدري (قدر أم شبح قدر) و أستعد للخطوة التالية.

Wednesday 5 March 2008

لقطات من حياة الست سعاد - ست الهوانم

فتحت الست سعاد باب الشقة استعدادا لاستقبال الجارة ثم وضعت الصينية بمحتوياتها علي مسند اليد العريض و استقرت في جلستها.
دخلت هدي و معها أمها. تغير لون الست سعاد فوراً. تحب هنومة فهي "ست كبيرة و طيبة بس عينها وحشة" ( للعلم هنومة في نفس سن الست سعاد تقريباً، لها وجه حزين أثقل الزمن خطوطه بقدر من هم فاستدارت نحو مركز الأرض). تحاول سوسو القيام من جلستها لتسلم عليها، تضع يدها علي مسند الكرسي فتنزلق و تنقلب صينية الشاي بالكامل عليها!!
تصرخ "رجلي اتشوهت...الحقوني رجلي اتشوهت". أسرعت هدي إلي الفريزر و أحضرت مكعبات الثلج في حين أصرت هنومة علي الرجوع إلي الشقة و إحضار معجون الأسنان المستورد الذي أحضرته معها من بورسعيد. صرخت سوسو فيهما و قامت بسرعة. دهنت من كريم حروق للحد من أي التهابات أو تشوهات قد تحدث.

حتي الآن تخاف الست سوسو من أن تتسب المياة الساخنة في جفاف بشرتها..علي رف الحمام تضع زجاجة صغيرة بها مزيج الجلسرين و الليمون تدعك بهم يديها و قدميها بعد الوضوء و الحمام و أي عمل قد يصيب بشرتها بالجفاف. في طريق عودتها إلي هدي و هنومة تتمتم "ومن شر غاسقٍ إذا وقب، و من شر النفاثات في العقد، و من شر حاسد إذا حسد". مقتنعة تماما بغيرة هنومة منها حيث أنها "بيضا و حلوة".

قد تتهم الست سعاد بالعنصرية إذا سمعتها تتحدث عن والدتها التركية الأصل..فتصفها بفخر "بيضا، خدودها حمرااا، شعرها خيوط دهب ناعم، تضفره بعد الحمام و كل ضفيرة تبقي قد كده" تصنع بأصبعيها السبابة و الإبهام دائرة كبيرة لم تمكنها أصابعها القصيرة من إغلاقها. ورثت سعاد عن أمها البياض و الحمار و الصفار. و رأت في نفسها هانم فطالما قالت لها والدتها إن "جمالها ملوكي" و عزز والدها الإحساس نفسه . اقتنعت الصغيرة وقتئذ و راحت ترسم حياتها علي هذا الأساس. فأمامها عدة سنين لتصبح عروس و طبعا العريس المنتظر "لازم يبقي وجيه، شيك، و ملو هدومه".
توفي والدها و اضطرت للعيش مع زوج أمها. مع ولادة أخت و أخ تجردت سعاد من أحلامها الملوكي و كان عليها أن تساعد أمها في أعمال البيت. حينها فقط قررت سعاد التنازل عن حلم الزواج من بك لا مثيل له إلا في أحلام أمها لها. علي شاب وسيم صعيدي، صحفي مشاغب، لكنه أسمر(و في عرف الست سعاد يعتبر السمار عيب كبير)...شفعت له ابتسامته و حبه للحياة عندها و تزوجا. ولأنه صحفي "ودي شغلانة مبتأكلش عيش" لم يستطع توفير الأدوات اللازمة للحياة التي طالما أرادت أن تحياها. و لأنها لم تريد شكل الحياة التي وفرها قررا أن يتلاقوا في المنتصف. هو عليه "الفلوس" و هي عليها توفير كل ما يلزم للصورة الملكية التي تناسبها.

لم يسأل هو عن التفاصيل التي كانت بطبيعة الحال سوف تفقده صوابه. "في أول الزمن" تحكي سوسو "كان هو يديني المصروف الصبح قبل ما يروح الشغل، ينزل من هنا و أنا اطلع عالست حفصة" اديها الفلوس، جوزها كان بيشغلهم، و أنا اطبخ من اللي عندي في البيت، ماما كانت بتجيلي كل أسبوع محملة.... آه من ميراث أبويا" تصمت للحظات..ثم تكرر "من ميراث أبويا" ترفع كتفيها و تلوي كفيها في اتجاه السقف متسائلة عن حقها في ميراث عيني اقتصر علي لحوم، دواجن، خضر أو فاكهة.

"كان أول الشهر يهل و الست حفصة تنزللي الفلوس، أكلم فاطمة الخياطة و ننزل علي شيكوريل نتفرج عالفساتين، أختار لي موديلين شيك كده، نشتري قماشهم و نطلع عالبيت. تقعد فاطمة عالمكنة علي ما أنا أنزل أشتري لعلي بيجاما جديدة و أرجع أحضر له غدوة حلوة تبقي هي خلصت. يومين تلاتة قبل الجمعة ما تخلص و انزل ألف علي جزمة بكعب و شراب فيليه".

يوم الجمعة الأول من كل شهر كان أهم يوم في حياة الست سعاد حيث تجتمع العائلة كلها في بيت "خالي حسن" أحد أصحاب المقام الرفيع وقتها، لم تكن زوجته أجمل من سعاد "بس العز بقي" أضاف إلي جمالها المتواضع بعد أخر.
لم تخفي غيرة "صفية مرات خالي حسن" من سعاد علي أي من أفراد العائلة، و كانت نظراتها النارية إلي أحذية و فساتين سعاد مصدر فخر و سعادة لها و أمها. فكلما ازدادت صفية غلاً...طارت سعاد فرحاً..إذ إنها نجحت رغم ضعف الامكانيات أن تظل ست الهوانم.

هدأت البقعة الحمراء في ساق الست سعاد بعض الشيء. فاستئذنت ضيفتاها في القيام لتجهيز أكل بوسي "لحسن قربت تهوهو من الجوع" (بوسي هي قطة حسنة أصغر بنات الست سعاد. هاجرت إلي الولايات المتحدة، فصعب علي الست سعاد تسريحها لفترة أنهتها بوسي ببساطة عندما قررت القضاء علي كنبة الست سوسو الكابيتونيه).
أفرغت سوسو اللبن في الطبق الأبيض و أضافت له مكعبات العيش الفينو ووضعته علي الأرض. خرجت بوسي مسرعة من مخبئها في اتجاهه، رفعت رأسها بحدة و قالت بعينيها "بس كده؟؟" لبن!! أنا بشرب لبن؟ أدارت ظهرها بكبرياء و أسرعت عائدة إلي مخبئها. وقفت الست سوسو بين المطبخ و غرفة ابنتها لتحايل القطة المدللة " طب تعالي بس، دأنا خايفة عليكي..هجبلك الأكل بعد ما هنومة تمشي". وقفت بوسي ثم أدرات رأسها لسوسو و أبتسمت بخبث.

Friday 15 February 2008

لقطات من حياة الست سعاد – عن كوب شاي

تدس قدماها في الخف بعنف و تمشي ببطء في اتجاه باب غرفة النوم. بطء حركتها اللا إرادي يزيد من حنقها؛ تريد الخروج من الغرفة بسرعة. تقترب الجدران منها كأنها وحش قرر أن يفترسها، تفرك عيناها و تقف للحظات في وسط الغرفة، تتسأل ان كانت قادرة علي فتح باب أم ستظل حبيسة غرفة نومها، يفترسها الوحش فتختفي و لا يعرف لها أحد "طريق جرة". تبتسم معجبة بالفكرة، تميل بطبعها لللا معقول و تحبذ المستحيل، ففي المعجزات تكمن روعة الكون.

تستعيد توازنها فتعود الجدران ادراجها مفسحة لها الطريق و تفتح الباب بسهولة. تتوضأ و تصلي ثم تدلف الي المطبخ و غطاء الصلاة مازال يعتلي رأسها فقط تزحزح بعض الشئ مظهرا منبت شعرها المصبوغ حديثا. تفتح شباك صغير يطل علي المنور.


انه نفس الشباك الصغير الذي رأت منه جمال ابن عبد الخالق حارس العقار يتهاوي حتي ارتطم جسده الشاب بالأرض فأطبق صمت علي العمارة لم تعهده من قبل حتي ذكراه الأربعين. لم ترتدي عزيزة – أمه- السواد خصيصا عليه فمنذ وقعت عين الحاجة سعاد عليها و هي تلتحف به.

تملاء ابريق الشاي الإستانلس و تضعه علي الموقد. تسمع صوت المياة و قد انهمرت دفعة واحدة من صنبور جارتها (التي نزحت قبل ربع قرن الي القاهرة من بورسعيد)، تقترب من الشباك و بصوت قد يسمعه أغلب سكان العقار تنادي علي جارتها "تعالي، الشاي عالنار".

"هنشر الغسيل و أجي يا طنط" ترد الجارة


تبتسم و تقرر نسيان حلم القيلولة المزعج. ترمق البراد فتلاحظ ان نصفه الأسفل ازداد اصفرارا، تتجاهله و تتجه الي غرفة السفرة، تمد يمناها بسرعة و تلتقط أعواد النعناع الجاف و تعود الي المطبخ. يرسل الماء اشارات استغاثة اولية فتنظر ناحية البراد متجاهلة نصفه الأصفر...تسرع خارج المطبخ و ترفع سماعة التليفون. تهاتف احداهن "هاتي لي معاكي ليف سلك".

تضع السماعة و تعود الي براد الشاي، حيث بدأت فقاعات صغيرة في التراص حتي صارت دائرة؛ دائرة من الفقاقيع المستغيثة تحاول الهرب من نصف البراد الأصفر القبيح..


برفق راحت تخلص اوراق النعناع من الفروع الجافة ثم فركتهم بين راحتيها حتي صاروا تراب ناعم أخضر اللون- زكمت انفها رائحته التي تنتظرها مع كل كوب شاي تقوم باعداده- ألقت به وسط الدائرة التي تكدست بالفقاعات المعذبة المتفاوتة الأحجام وتبعته بحركة أكروباتية سريعة بملعقتي شاي ناعم، ثم أحكمت غطاء البراد علي الفوهة و وضعته مع الأكواب، و السكرية، و ملعقة صغيرة في الصينية.

Monday 4 February 2008

لقطات من حياة الست سعاد - علي سفر

بعد أن أصبحت جدران شقتها القاهرية الأربعة لا تحتمل و لا تطاق، حسمت الست سعاد أمرها، وضبت الجرابندية و أعدت كوب شاي لتشربه مع بقسماطة، ارتدت ما حلي لها من ثياب أنيقة ، أمضت أكثر وقت ممكن لانتقاء طرحة تلائم الطقم الزيتي الجديد (فرغم سنينها التي تخطت السبعون بخمسة مازالت تحتفظ ببريق أربعيني و مسحة من جمال سينمائي تشهد عليه صور صالونها)، صلّت الفجر، و توكلت علي الله.

توقفت السيارة الأجرة أمام باب بناية علي ناصيتين إحداهما تطل علي البحر و الأخرى علي شارع خالد بن الوليد، ترجلت الست سوسو من السيارة ووقفت أمام الباب رآها البواب فهرع و رفع الجرابندية عن يداها المتعبتين بفعل الزمن و الروماتويد. أنتظر البواب لتسبقه هي في الصعود لكنها استدارت و بدأت تمشي في اتجاه خالد بن الوليد...لحظات و استدارت ثانية كأنها تذكرته فجأة و قالت بنعرة تركي مألوفة لمن يعرفها و مثيرة للحنق لمن لا يعرفها "إطلع انت، أنا جايّة وراك".

قطعت الشارع بالورب حتي و صلت إلي اللبّان (سوبر ماركت حاليا) لكنها لم تقتنع بالمسمي الجديد، طلبت عشر بيضات بلدي، ربع فلمنك، مع أربع علب زبادي بلدي و أثنين كيلو لبن!! حملت كيس الكولسترول فرحة إلي بيتها مرة أخري..قابلها البواب فمدت يدها "باللي فيه القسمة" و صعدت إلي الطابق الرابع. وضعت المفتاح في الباب ، بسملت و تمتمت بآيات قرآنية. حركت المفتاح و ضغطت علي الباب "المزرجن بفعل الرطوبة" بكتفها.

"عفارم يا نادية" أول ما قالت عندما و جدت أثار النظافة و رائحة الفنيك ممتزجة بتركيبة خاصة لمكافحة الصراصير يعرفها ال بيت الست سعاد جيدا . لمن لا يعرف نادية، هي ابنة الحاجة فايزة- رحمها الله- الكبرى، التي توفيت و تركت لها ميراث لا بأس به، مع توكيلها بمهمة تنظيف بيت الست سعاد. نادية سمراء نحيلة و قصيرة، شعرها اسود قصير "ألاجرسون"، أسنانها بارزة بعض الشئ و لها ضحكة مميزة. ورثت إلي جانب العمارة و الجراج، و تنظيف بيت الست سوسو أختين؛ احداهما ترتدي حلة شابة في الثلاثين لكنها أثرت أن تظل طفلة في الخامسة، انتظر أهلها أن يصل نموها العقلي لمستوي نموها الجسماني و لكن طال الانتظار. منهم من توفي، و أخر سافر/هرب، أو تزوج، وأكثرهم فقد الأمل و أعتمد علي نادية في العناية بميرفت.

أما الثانية فكانت في يوم من الأيام - و العهدة علي الراوي (الست سعاد في هذه الحالة)- تهتز لها شوارع الأسنكدرية عند خروجها "لكن يا قلبي إتحسدت"، تعرضت لحادث و أصبحت ضريرة لا تستطيع فرق ليلها عن نهارها إلا بسماع أذان الفجر، "هي الصلاة خير من النوم دي اللي بتعرفني الفجر من العشاء" .
ترحمت سعاد علي فايزة و شرعت في رص بيضاتها في عيون الثلاجة الأيديال الصغيرة - التي اتخذت من غرفة الجلوس مقر لها منذ السبعينات- عندها سمعت نقرتين علي الباب، "ادخلي يا نادية" قالتها بثقة، فنقرتيها علي الباب علامة تميزها. أقبلت نادية وقبلت الست سوسو و عينيها علي البيض " إيه يا سوسو، لمين البيض ده!!" أغلقت سعاد باب الثلاجة بسرعة و ضحكت قائلة "إن حلي زادك كله كلّه، يفوت عليك وقت ما تشمه".

جهزت نادية الشاي بلبن في حين انتهت سعاد من حمامها و ارتدت جلبابها السكندري المحبب (قطيفة نبيتي بسفرة). "نعيما يا قمر" تقولها نادية و هي تغمز بعينها اليمني وهي تهم بوضع الصينية علي الطاولة في غرفة الجلوس. "ينعم عليكي و يغنيكي يا بنت فايزة، لأ هنشرب الشاي في الفراندة"
"تبردي!!" قالتها نادية باندهاش
تسبقها إلي الفراندة "لأ، بس تعالي"

وضعت نادية الصينية علي ظهر العشة و أحضرت كرسيين وضعتهم في جانب الفراندة المطل علي البحر و خرجت مسرعة. وقفت الست سعاد بجوار العشة و في يدها اليمني طبق ملئ بكعب الغزال -لحين تأتي نادية بطاولة صغيرة-و مدت يدها الأخرى بسرعة تتحسس باب العشة لتتأكد أن أحداً لم يكسره أو حتي حاول فتحه. يتعجب البعض من اهتمام الست سعاد بعشتها و خوفها عليها، لم تهتم ابدا بتوضيح أهمية العشة لهؤلاء فهي مثل صندوق الدنيا مليئة بتليفزيونات و راديوهات، بطاطين، و أكواب بوهيمي، كل شئ حتي مشابك الغسيل. -كل شئ ملك الست سعاد ثمين "حتي لو كان ترمس من عالبحر"- لكل شئ في حياتها قيمته.

تطمئن و تجلس بجوار نادية لتحتسيان الشاي. تلمح شقوق بعرض سور الفراندة، ينقبض صدرها، تحول نظرها إلي الجهة الأخرى من السور المطل علي الحزب الوطني فتري الشقوق و قد حفرت قبور لثعابين بيضاء رفيعة رأتهم مرة في مولد المرسي أبو العباس. تهز رأسها بعصبية كأنها ترفض تصديق فكرة معينة أو تحاول إبعادها بقوة، لكنها لا تفلح. فحين نظرت إلي العمارة المقابلة رأت سور سطحها الذي طالما أوي أم فتحي العجوز التي تجاوزت المئة عام بقليل و قد تهدم . شهقت و سألت "أمال أم فتحي فين؟"
ردت نادية "وقعت من علي السطوح، الله يرحمها يا سوسو الولية و قعت من فوق مرتين قبل كده، بس التالتة تابتة"

Sunday 6 January 2008

وسط البلد؛ كلاكيت أول مرة

يتحدث الأصدقاء عن و سط المدينة و جمال وسط المدينة و دفئ وسط المدينة
تشاء الأقدار ان أعمل في أحد البنوك بوسط المدينة و في كل يوم أتأمل المنطقة الخيالية التي يتحدث عنها الأصدقاء عسي ان اجد لها أثرا..و لكن لم يحالفي الحظ حتي الأن.

القيادة تحدي؛ فلنجتاز مرحلة عبور كوبري أكتوبر الذي أدركت معني لأسمه حديثا فعبوره في وقت قصير و الوصول لوجهة محددة في موعد محدد نصر لا يقل أهمية عن نصر أكتوبر و عبور القناة، أي انك في بعض الأوقات قد تظن انك عالق لا محالة و قد تبدأ في بناء و مراجعة حياة جديدة بأعلي الكوبري، وقد تكون سعيد الحظ و تعلق في جزء من الكوبري مطل علي النيل الساحر فتحمد الله علي عيشك الجديدة و “الفيو” ببلاش يا عم”.
“نزلنا من عالكوبري” -بدعا الوالدين و توجيهات العميد أحمد عاصم- لتبدأ مناورات لا تقل صعوبة عن مناورات النجم الساطع، تري السيارات تتحرك بسرعة غريبة من أقصي اليمين لأقصي اليسار و بالعكس. طبعا لسلاح المشاة دور هام في المناورة فلا تعرف كيف وصلوا الي منتصف الشارع شديد الأتساع معتمدين علي مبدأ “أكيد مش هتودي نفسك في داهية و تدوسني” فتضطر لفرم دواسة الفرامل تحت قدميك و تسمع صوت ارتطام قوي بسيارتك يتبعه صدي ارتطام السيارة الثانية و الثالثة من خلفك.

فرضنا الوصول بسلام الي جاردن سيتي،(هنا يبدأ تحدي جديد)؛ فيستقبلك تجار من نوع خاص. تجارة أماكن الأنتظار من أكثر التجارات ربحاً بوسط المدينة. حد يسألني “و ده ليه بقي يا نرنورة؟” أقول لك أنا، جاردن سيتي منطقة نمت و ترعرت بها سفارات أجنبية كثيرة و طبعا كمواطن “مش من حقك” أ_ب_د_اً انك تركن بقربها أو بالشوارع المجاورة لها.
أما شارع القصر العيني فممنوع الأنتظار به لوجود هيئات سياسية تشريعية هامة جدا جدا في حياة كل مواطن مصري (لا أعلم لما لا يتم نقل الهيئات المشار اليها الي مكان اخر علما ان السادة الوزراء و الأعيان أغلبهم من قاطني السادس من أكتوبر و المدن الجديدة) أي ان خياراتك محدودة جدا:
أ- أن تترك سيارتك بجراج عبد المنعم رياض (علبة سردين رسمي) و تقرر ان تقضيها مشي علي الرصيف المؤلم و تنضم الي كتية المشاة المخيفة.
ب- المثول لأوامر عمو السايس و دفع مبلغ شهري ايجارالجراج (علبة سردين من نوع مختلف)، و ترك مفتاحك كي تسهل عملية “حشر” السيارات.
أنا عن نفسي من مؤيدي الحل “ب” فهو أسهل و أرحم و بما ان التعريفة اليومية للسيارات عامة خبطة وان كنت محظوظ حكة فمش مشكلة علي الأقل قد استطيع معرفة مصدرها.
“سلملي علي الدفئ في شوارع تسد مداخلها و مخارجها حواجز حديدية، باردة، وعدائية”.

أما المشي فتحدٍ أكبر و علي من يجتاز محنة عبور الشوارع ان يفخر بنفسه و يقلدها و سام الشجاعة من الدرجة الأولي. فكمية البشر المندفعة من كل الجهات تشعرك بالتوتر و الخوف، فلا وجود حقيقي لقواعد عبور المشاة، الأرصفة مشوهة و صعب الوصول اليها اصلا. أتاألم حين أري المواطن المصري يمارس -لعبته المفضلة- الفهلوة مع السيارات و الحافلات، أدرك ان حياته ليست بالثمينة في نظره، فهو مستعد للتضحية بها في سبيل تعدية شارع.
(أعلم اني لم أري وسط المدينة بحق و لكن هذا مجرد انطباع اول بعد أول شهر