تدس قدماها في الخف بعنف و تمشي ببطء في اتجاه باب غرفة النوم. بطء حركتها اللا إرادي يزيد من حنقها؛ تريد الخروج من الغرفة بسرعة. تقترب الجدران منها كأنها وحش قرر أن يفترسها، تفرك عيناها و تقف للحظات في وسط الغرفة، تتسأل ان كانت قادرة علي فتح باب أم ستظل حبيسة غرفة نومها، يفترسها الوحش فتختفي و لا يعرف لها أحد "طريق جرة". تبتسم معجبة بالفكرة، تميل بطبعها لللا معقول و تحبذ المستحيل، ففي المعجزات تكمن روعة الكون.
تستعيد توازنها فتعود الجدران ادراجها مفسحة لها الطريق و تفتح الباب بسهولة. تتوضأ و تصلي ثم تدلف الي المطبخ و غطاء الصلاة مازال يعتلي رأسها فقط تزحزح بعض الشئ مظهرا منبت شعرها المصبوغ حديثا. تفتح شباك صغير يطل علي المنور.
انه نفس الشباك الصغير الذي رأت منه جمال ابن عبد الخالق حارس العقار يتهاوي حتي ارتطم جسده الشاب بالأرض فأطبق صمت علي العمارة لم تعهده من قبل حتي ذكراه الأربعين. لم ترتدي عزيزة – أمه- السواد خصيصا عليه فمنذ وقعت عين الحاجة سعاد عليها و هي تلتحف به.
تملاء ابريق الشاي الإستانلس و تضعه علي الموقد. تسمع صوت المياة و قد انهمرت دفعة واحدة من صنبور جارتها (التي نزحت قبل ربع قرن الي القاهرة من بورسعيد)، تقترب من الشباك و بصوت قد يسمعه أغلب سكان العقار تنادي علي جارتها "تعالي، الشاي عالنار".
"هنشر الغسيل و أجي يا طنط" ترد الجارة
تبتسم و تقرر نسيان حلم القيلولة المزعج. ترمق البراد فتلاحظ ان نصفه الأسفل ازداد اصفرارا، تتجاهله و تتجه الي غرفة السفرة، تمد يمناها بسرعة و تلتقط أعواد النعناع الجاف و تعود الي المطبخ. يرسل الماء اشارات استغاثة اولية فتنظر ناحية البراد متجاهلة نصفه الأصفر...تسرع خارج المطبخ و ترفع سماعة التليفون. تهاتف احداهن "هاتي لي معاكي ليف سلك".
تضع السماعة و تعود الي براد الشاي، حيث بدأت فقاعات صغيرة في التراص حتي صارت دائرة؛ دائرة من الفقاقيع المستغيثة تحاول الهرب من نصف البراد الأصفر القبيح..
برفق راحت تخلص اوراق النعناع من الفروع الجافة ثم فركتهم بين راحتيها حتي صاروا تراب ناعم أخضر اللون- زكمت انفها رائحته التي تنتظرها مع كل كوب شاي تقوم باعداده- ألقت به وسط الدائرة التي تكدست بالفقاعات المعذبة المتفاوتة الأحجام وتبعته بحركة أكروباتية سريعة بملعقتي شاي ناعم، ثم أحكمت غطاء البراد علي الفوهة و وضعته مع الأكواب، و السكرية، و ملعقة صغيرة في الصينية.