Wednesday 29 December 2010

عن الفل والنوايا

أعبر من نفس الشارع، وأقف لدقائق طوال في نفس الشارع منذ ثلاث سنوات لم يتغير شئ خلالها، المحاولات المضنية للاستقلال بحارة أقصي الشمال، عسكري مرور يقنعني ان الحل الوحيد للفرار من الإشارة اللعينة هو المرور عكس الاتجاه. بائعو لعب أطفال يظنون إني مهتمة بالعاب سخيفة "وبتنور"، وبائع فل سمين غالبا ما يعيق السير وقت ان تفتح الإشارة فلا املك إلا ان أقف في مكاني و "يا الحقها يا ملحقهاش".
أتأمل الركاب والمشاه وأقول لصديقي الذي قرر ان يؤنس طريقي هذه الليلة "السنين بتجري والناس مبتتغيرش". أشكي له من إحساسي بالضيق؛ هذا الذي جرحني واعتذر لآخري، وهذه التي تظن إني اعرفها لأني أهتم لأمر أخر، و هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة يومهم وما يملكون. شكوت حتي غالبتني دموعي "ليه الناس مش مصدقة ان في حاجة حلوة لوجه الله". رد بجملة واحدة "لكل امرئ ما نوى…و زى ما جداتنا قالوا كل واحد بياخد علي قد نيته."

أقف في الصف الرابع من أمام الإشارة…بائع الفل حركته ثقيلة عن الثلاث سنوات الماضية، أعتقد انه مريض، لم يستطع اعتلاء الرصيف الفاصل بين الاتجاهين فوقف ينظر نحوه بدهشة وضجر، فأحكي لصديقي عنه، فيسألني ان كنت اشتريت منه فل خلال الثلاث سنوات، فأجبت بالنفي. سكت للحظة قال خلالها الكثير…ثم غني "يا بتاع الياسمين..مين ينده لك مين" فأكملت معه "واحنا معانا الفل". ضحكنا ثم قال فلتقومي بعملك الطيب لليوم.
أنزلت شباكي وأخذت ما تبقي للبائع من فل وشكرته علي إضافة احلي لون ورائحة ليومي…وقال "ربنا يحلي أيامك…كان نفسي أروح من بدري".

ضحك صديقي عندما سمع دعوة الرجل…وقال مؤنبا"أهه..في ناس بتدعي لوجه الله، ولكل امرئ ما نوي"

Monday 20 April 2009

قصاقيص من بيروت



مساء السبت؛

أخرجت كتابي ومشغل الموسيقي من شنطة الظهر الصغيرة وأستقريت في مقعدي، أنا من هؤلاء الذين يربطون احزمة الأمان حتي قبل اقلاع الطائرة. أعرف التعليمات مسبقا فأطبقها حتي قبل سماعها بفترة حتي لا يشغلني عن عالمي الذي سأنتقل اليه بعد قليل أي شئ حتي لو كان صوت قائد الطائرة كابتن س ص معلنا بهدؤ اننا سنكون في بيروت "ست الدني" في خلال ساعة طبعا هو لا يقول "ست الدني" لكن فيروز تفعل. وان قارنت بين كابتن س ص وفيروز بالطبع سأقتنع بكلام فيروز وتقترن دائما عندي بيروت بلقب "ست الدني".

جاء مقعدي بجانب الشباك وكنت سعيدة لأني سأحضر وقت الغروب في السماء، فأنا عاشقة للغروب علي الأرض، و في البحر، لكن هذه أول فرصة للتقرب بيننا هكذا لا يفصل بيننا الا نافذة زجاجية تقيني من جنون اللحظة التي ستري فيها عيني تحول السماء من الأصفر للبنفسجي المشبع بحمرة تتحول فجأة لأزرق قاتم.

علي يساري فتاة تبدو غير مرتاحة وقلقة أسألها ان كانت خائفة وأحاول طمأنتها فما كانت الا ان استغلت الفرصة وطلبت مني التنازل عن مقعدي لأنها علي وشك ان تتقيأ. تنازلت عن حلمي الصغير بسرعة، وجلست في المنتصف بينها وبين عجوز عرفت من لهجته انه لبناني، " لمح كتاب "اليس في بلاد العجائب في يدي فضحك وقال لي بأنجليزية أجادها "لا تحزني، فبعد قليل ستدخلين عالم العجائب" أبتسمت ولم أرد.

أقلعت الطائرة وفتحت كتابي وشغلت موسيفاي، إلا ان صديقتي في المقعد المجاور كانت قد عقدت العزم ان تتلهي بالكلام حتي تتغلب علي فوبيا الطيران التي كادت ان تفقدها عقلها، أشفقت عليها . بدأ الحديث ولم ينته الا عندما فاجئنا صوت الكابتن س ص ثانية ملعنا اقتراب اللحظة التي سنهبط فيها علي أرض "ست الدني ". قلت لها حمد الله علي السلامة" أبتسمت رغم نسياني الغروب الذي كنت قررت ان اتابع موقفه عن بعد، واستدرت لأري ان كان جاري العجوز قد استيقظ من غفوته ام لا. أبتسم وقال لي "مرحبا بك يا أليس في بيروت".

في السيارة الأجرة التي أفلتني الي الفندق جلست أدور بعيني رغم الظلام لأتعرف علي بيروت وساعدني السائق كثيرا بشرحه الغيرلمفصل حيث اكتفي بأسامي الشوارع التي حفظتها قبل الزيارة اصلا، لكني أثرت ان اسمعها منه ثانية.

في الفندق هاتفت أمي ونفضت عني رائحة السفر تحت رشاش المياه، ونزلت الي عامل الأستقبال. تركت مفتاح الغرفة وخرجت. الفندق في شارع صغير متفرع من الحمرا، مشيت قليلا حتي واجهتني المحال التجارية وصخب السياح ولافتة "ملك البطاطا".... فتمتمت "هذه بيروت".

صباح الأحد؛

أستيقظت قبل ان تستيقظ بيروت. جلست في الشرفة في انتظار موعد الأفطار فرأيت في البناية المواجهة سيدة تروي اصص زرع تخيلت انها ستحييني مرحبة؛ هكذا الحال مع السيدات الشوام أو هكذا تخيلت بعد تجربتي مع "الليدي كارلا أوف جبيل" مثلما أطلقت عليها، قابلتني بالأمس وانا اتسائل عن حشو المناقيش، تعرفت علي لهجتي المصرية، ورحبت بي بشدة، تنزهنا في الحمرا سويا ووصفت لي كل المحال والطرق التي اردت الأستفسار عنها وقبل ان تتركني كتب لي رقم "السيليولير" حتي اهاتفها في اي وقت ان احتجت الي اي شئ.

تناولت افطاري بسرعة، وخرجت. مشيت من الحمرا متجهة الي الكورنيش. توقفت لشراء قهوة ثم تابعت بعد ان تأكدت من البائع اني في الأتجاه الصحيح. عندما وصلت الي الكورنيش كان علي ان اتأكد من الأتجاه الي الروشة فعلي الرجوع بعد قليل الي الفندق لمتابعة عملي. أتبعت حدسي فرأيتها. جلست علي مقعد أمام الصخرة التي استحوذت علي تفكيري قبل ايام من السفر حيث كنت بدأت قرأة "رالف رزف الله في المرأه"...رغم ضيق النفس الذي اصابني عند رؤيتها لم افكر ان ابرح مكاني فرائحة الهواء رغم لزوجته مع دفعة الأدرينالين شكلا ثنائيا مدهشا لا يقاوم.

مساء الأحد؛

تأخرت علي موعد الأصدقاء وهو أمر غير متوقع فهم يعرفون هوسي بدقة المواعيد. عندما وصلت بعد موعدي بأكثر من نصف ساعة، وقبل ان يبادروني بالسؤال الذي ظهر علي وجوههم أجبت بسرعة. "كنت ببرم" و نسيت نفسي. لم يصدق احد الأصدقاء نفسه حيث ظن ان ما أفعله درب من الجنون. "بتبرمي!! لوحدك!!" تجاهلت السؤال. لم أشعر بالغربة ولو للحظة منذ وصلت، فهناك نوع غريب من الألفة ربطني بها يمكن قبل ان أصل اليها. ولأتصل بالمكان كان علي التجول في ارجائه والتعرف علي تفاصيله.

تركت التفاصيل التي امتعتني و حكيت عن زيارتي لمغارة جعيتا، أعجبتني لكن الطريق اليها اعجبني اكثر، طريق حلزوني، قيادة سريعة لم تمكني من التمتع بمنظر الجبال...توقف السائق عندما اتسع الطريق فرأيت "بيروت من فوق"...أحببتها من فوق، رغم خوفي من المرتفعات.

كان موسم التنريلات ورغم اني لست من محبي الشراء الا اني لم اقوي علي مقاومة الأغراء. فأنفقت قيمة مرتب شهرين في ساعة. جلسنا نتناول العشاء في أحد المطاعم . اثناء العشاء أشرت الي انني لا أشعر بالأختلاف بين هذا المول وبين أخر في دبي، أو مصر....نفس التصميم، نفس المحلات، نفس المطاعم، ونفس الأكل. "المنافيش بتاعة امبارح كانت لبناني...بس الباستا جلوبال".

الأثنين؛

أقلتني السيارة الأجرة الي المطار. وعندما سألني السائق عن انطباعي. أجبت انها كانت رحلة عمل فلم استطع التعرف علي المدينة أو علي البلد. لكن في داخلي كنت أردد جملة الياس خوري " بيروت هكذا، دهشة الأشياء الغريبة التي تعطيك شعورا غامضا بالألفة"


Saturday 22 November 2008

حلم اتحقق


لسة الأحلام كتييييييييير :)
تم طرح كتاب" السابعة والنصف مساء الأربعاء" أول إصدار للكتب خان وأول تجربة نشر لينا، الكتاب موجود حاليا بالكتب خان وقريبا بجميع المكتبات.

Monday 17 November 2008

لقطات من حياة الست سعاد – عن العيال بالذات نبيل


"في أول الزمن مكانش يهمني، ولد ييجي، بنت تروح...ما أنا صغيرة"
(هكذا بدأت الست سوسو حديثها عن العيال)

كانت سعاد في أوائل شهرها التاسع حينما قررت اصطحاب سامية إلي السوق لشراء "غدوة سمك" لعلي وأبناء عمه القادمين من البلد (سامية في السادسة عشر من عمرها، تساعد الست سعاد في أعمال المنزل، لم تعاملها يوما كخادمة، بل صاحبتها واعتبرتها في معزة احدي بناتها. هكذا كان الحال مع بقية من عملن في أي وقت ببيتها). تحب سوسو ان تشرف علي شوي السمك بنفسها. بل تحب ان تشرف علي كل شئ بنفسها، فلا تترك القرار أو الخيار لغيرها.

بعد شراء السمك و التحابيش اللازمة لأكلة السمك عادتا إلي البيت. كانت سامية قد سبقتها إلي الشقة لتضع المشتريات أما سوسو فكانت قد أرهقت فقررت الصعود علي مهل. علي الباب استقبلها محمد (ابنها البكري) وسألها عن أخوه؟؟ ضحكت وقالت له انه سيأتي بعد ثلاث أسابيع تقريبا "انت مستعجل ليه؟" فأقترب منها وأحاط بطنها المنتفخة بكفيه الصغيرين في حنو وهو يسأل "هتيجي تاكل سمك معانا النهاردة يا حبيبي؟؟"
فزعت سعاد لكنها حاولت ان تتجاهل كلام ابنها. سلمت علي الضيوف وهمست في أذن علي "أنا شكلي هولد"!! فضحك وأكد لها "لسة بدري".

تعتقد سوسو ان بمحمد- الذي كان قد أكمل عامة الثالث عندما كانت علي وشك وضع مولودها نبيل- "شئ لله" .
وبالفعل ولد نبيل في نفس اليوم بعد معاناة وتعب. استمرت الولادة حوالي ثلاث ساعات. التفت النسوة حول سعاد وعلي رأسهم الست حفصة والداية. تصرخ سعاد وتستعطف الطفل لينزل و"يريحها" أما هو فأبي، صمد، وكمن في جحره.
محاولات ومحاولات حتي فطنت الداية لوجود ست حفصة (وهي عاقر) فطلبت منها ان تخرج وتأتي بفوطة جافة جديدة. حدث الأمر في ثوان، ما ان خرجت الست حفصة من الباب، قرر المولود الجروح من مكمنه و اختلطت صرخاته بالزغاريد التي دوت في جنبات بيت الست سوسو. (في هذه الأثناء قامت الست حفصة بإحضار زوجها وأسقطت الخلاص من فتحة صدر جلبابه والتقطته من الأسفل)

ده "ابن موت يا سعاد" كانت أول جملة قالتها الست حفصة وهي تحمل نبيل، قالتها بأمومة وحزن شديدين.
انتفضت سعاد رغم الألم و المعاناة بعد ولادة عسرة وكررت "فال الله ولافالك" "فال الله ولا فالك". بكت كثيرا عندما حملته؛ كان الطفل جميل، طويل، عريض..."كان فعلاً ملاك" والملائكة ملك السماء لا الأرض.

في الشهور الأربع التالية للولادة تناست الست سعاد كل شئ و كرست كل ثانية من يومها لنبيل..عسي ألا يصيبه مكروه وتخيب نبوءة الست حفصة. مرت سنة واحتفلت بأول عيد ميلاد له...فشعرت بالطمأنينة ونست أمر النبوءة. صح الطفل وازداد وزنه وحجمه؛ حينما تراه كأنك تري طفل في الثالثة مع انه لم يكمل ثلاث شهور بعد السنة الأولي.. إلا ان علاقتها بالست حفصة اختلفت، فترت، فقلت الزيارات وأصبحت العلاقة علي حسب كلامها "صباح الخير يا جاري انت في حالك و أنا في حالي".

مر الوقت وفي محاولة لإعادة المياه لمجاريها، دعت الست حفصة سوسو إلي فنجان قهوة محوج في شقتها، "وعشان العشرة والعيش والملح" لبت الدعوة. "علي كان اجازة يومها"، فأمضت ساعات النهار عند حفصة يفترشن الكنبة الأسمنتية يتكلمن، يحتسين القهوة، يستمتعن بطعم ورائحة الزبدة الذائبة في أطباق الفول والبيض البلدي. وحوالي الساعة الثالثة طرقت سامية باب الست حفصة بقوة، طرقات متتالية..جرت سوسو نحو الباب مرددة ودموعها تنهمر فتبلل سفرة الجلابية "استر يا رب..استر يارب".
لم تري سامية التي همت بقول شئ، أزاحتها ونزلت علي السلم حتي وصلت إلي شقتها، حاول علي ان يمهد لها الأمر...لكن لم يفلح في إيقافها حتي وصلت إلي باب الغرفة التي يرقد بها نبيل. رأته بجسده الكبير وقد لفت رأسه شاشة بيضاء انتهت بعقدة...قالوا لها مات. أكدوا لها إنهم حاولوا، لم يفلح الطبيب.

تقول سوسو "هما يقولوا لي السر الإلهي طلع. وأنا شايفاه بيبصلي و يقوللي تعالي ياماما"

ومثلما قالت فهي كانت صغيرة آنذاك، أما الآن فكبرت وأصبح لها من زينة الدنيا ولد وبنتين ولكل منهم أولاد، أي ان الست سوسو جدة. ولكن بما إنها تؤمن أن "أعز الولد ولد الولد" فهي ليست تيتا سوسو أو نينا سوسو.. إنما "ماما سوسو".
لقطات أخري من حياة الست سعاد:

Sunday 16 November 2008

أنا بعشق البحر

و دي كدبة كبيرة..
أو لأكون أكثر دقة أنا لا أعشقه لأني أخاف منه، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن أكرهه..فعكس الخوف...ال...ال.....؟؟ -أفشل دائما في إيجاد عكس الكلمة الصحيح- الشجاعة؟؟ إذا قلت إني لا أعشقه بل فقط أحبه أكون قد تمكنت بمهارة من عدم الوقوع في فخ المبالغة وأوضحت حالة حب رمزية بين إنسان و؟؟ و"إيه"؟؟ بما نعرف البحر؟؟ هل نعرفه علي انه مظهر من مظاهر الطبيعة...فقط؟؟

أعرف أشخاص يأتمنوا البحر علي أدق أسرارهم و يثقون فيه ليس لأنهم لا يثقون بأقرب الناس اليهم، بل لأنه يستمع اليهم بلا ملل البعض يتوهم/يثق انه يرد ويناقش وقد يسدي النصيحة. نفس الحال مع الإنسان والحيوان..قد يجد الإنسان في قطة، كلب، عصفور، أو أي كائن صغير الحب و الحنان و الدفء الذي لا يوفره الإنسان. هنا يمكننا ان نخرج بنتيجة ما و هي ان الإنسان بطبعه أناني قد تراها نتيجة قاسية لكنها منطقية فهو يفضل ان يتكلم و يسمع علي ان يستمع و هذا حقه الطبيعي ان جاز القول.

"نرجع للبحر"!!

أما أنا فتعلمت ان أتعامل معه بحيادية أخاف من غدره و غموضه ولكني أعشق رائحته. و أكثر لحظات سعادتي هي رؤية شمس المغربية المستديرة وقد تأمرا البحر والسماء عليها فهموا بقضمها قضمة فقضمة " بمزاج"، فتذوب علي نسيج لسان البحر.

Monday 3 November 2008

عن مزاج "مش قد كده"

قررت اليوم أن استبدل قهوتي الأمريكاني السوداء القاتمة بقهوة مضحكة. نعم... هذه التي ابتاعتها أمي؛ قهوة تركي بالكريمة والبندق. كتبت عليها ملصق وهمي "قهوة مضحكة للصباحات الرمادية"...احتسيتها ببطء شديد، فملأت رائحتها أنفي وغرقت في الفنجان فطفا علي سطحه اللون الوردي

Saturday 25 October 2008

عن لحظات "بتوجع"

أنا في حالة شجار دائم مع الوحدة. تطاردني كثيرا فأهرب منها، تحاصرني فأتملص منها بعنف، لم تستطع أن تقهرني و لو مرة واحدة. لكن هذه المرة ضيقت علي الخناق ولا املك من القوة ما يكفي لصدها، فقط صرخت عسي أن أفيق من كابوس، أو تتحول الي فقاعة كارتونية فتخاف من صوتي و تهرب، أو تبتلعني فأرتاح.