Saturday 6 October 2007

و قرر الأرنب أن يستريح


في روايته “رأيت رام الله” يقول مريد البرغوتي”الغربة لا تكون واحدة .انها دائما غربات غربات تجتمع على صاحبها وتغلق عليه الدائرة. يركض والدائرة تطوقه. عند الوقوع فيها يغترب المرء في “أماكنه”وعن “أماكنه”. أقصد في نفس الوقت“

في البيت استقر علي كنبت(ي) التي لم اكتب اسمي عليها فعليا…لكنها ملكي بموجب اتفاق ضمني عائلي. المح طرف علبة الكوتشينة “طاقة قدر و اتفتحتلي” انقض عليها افنط الورق فاشعر بحوافه التي بلدت من كثرة الاستعمال في باطن يدي.
تقول “جدة صديقي الليناني” عندما يقبل الرجل امرأة في باطن الكف يعني هذا انه اصبح جزء منها..ينتمي اليها! و لكنه لم ينتمي لي قط!!
“ما علينا!!”
قد يظن من يراني الأن اني علي وشك البدأ في “دور كوتشينة حامي جدا” و لكني في الواقع علي وشك البدأ في وضع قواعد الأساس لبيوت من ورق…ابني بيوت صغيرة و اتخيل الحياة بداخلها هواية قديمة اعتدت ان امضي ساعات و ساعات ابني بيوت و اخترع شخصيات لا وجود لها اصلا. تطور الموضوع شيئا فشيئا حينما اشترت لي “أمل” التي كنت اناديها في ذاك الوقت “طنط امل”-لكن لأسباب دبلوماسية منعت من استخدام اللقب- ال”ليجو” فتمركزت حياتي حول المكعبات الملونة التي قد تكون بين ساعة و اخري سيارات، سفن، بيوت كبيرة اكبر و اعلي من بيوتي الورقية القديمة قاطعت ورقي و تشبثبت بالقطع البلاستيكية الملونة.

تركت طنط أمل اهلها في العراق و استقرت في مصر لتدرس الهندسة، لا اتذكر الأن ان كانت طالبة مجدة ام لا. كل ما اتذكره هو جرأتها الشديدة علي مواجهة العالم بعد جلسات التجميل اليومية التي كانت تخضع لها “المسكينة” علي يدي انا و اختي.
رغم صغر سني الا اني كنت جزء من جلسات صديقاتها السعوديات، المغربيات، و الفلسطينيات. تعلمت ان اتعامل مع الأختلاف مبكرا…تعثرت جارتنا السورية في التفاهم مع فكرة ان امل “شيعة” و هي “سنة”..اما انا فبسطت لي امي الفكرة…كان اول درس في التعامل مع اختلاف و احترام الأخر و التعايش بسلاسة.

زينت فستان “ليندا” العروس الفلسطينية مع باقي البنات “فال خير” كما قالت امها…امضيت امام شباك امل الكبير المطل علي الميدان ايام و ليالي و لكن لن انسي هذه الليلة عندما ذهبت امي للأطمئنان علي حالة جدي في المستشفي و لم تعد قبل حظر التجول..فوضي في المدرسة و الشارع..لم نستقل اتوبيس المدرسة للعودة الي البيت..بل حضر ابي و اخذني انا و اختي و امي التي كانت تعمل بنفس المدرسة الي البيت و عاد هو الي عمله.

تنظر امي حائرة الينا “انا و اختي” و الي ساعتها..تقول اننا سنقضي بعض عند امل حتي تعود هي من المستشفي!!اجلس ساعات امام الشباك و اري ضباط و دبابات في الميدان الذي اوشك علي ان يخلو من المارة
“هو حظر التجول امتي يا طنط؟؟”
“لسة شوية..متخافيش يا حبيبتي.. ماما قربت تيجي”أدرك انها تكذب علي..فأبكي…لا اري غير الدبابات و سيارات “شرطة عسكرية”…و السيارات الكبيرة ذات الأقفاص الزرقاء المكتظة بالرجال و النساء…اتمني الا تكون امي بداخل ايا من هذه الأقفاص!! تلهيني امل بحدوتة من حواديت الف ليلة و ليلة…حتي دق الباب و رأيت امي.

كم كرهت عمل ابي ففي هذا اليوم كان عليه التواجد في عمله، اما يوم الزلزال فلم يكن في مصر اصلا..دخان عمارة هليوبوليس الكبيرة…معذرة..هو ليس دخانا لكنة ترأي لي كسحابة كبيرة من الدخان…في اتوبيس المدرسة لم نعرف كيف نربط بين حالة الذعر العامة في الشارع و السحابة الدخانية الكثيفة….بين التكهنات و الأفتراضات لم يفلح احد ان يصل الي حل اللغز.

اصل الي المنزل لأجد سكان العقار كلهم في الخارج الا طنط “نانا الفلاحة” -كما تقول هي علي نفسها-فلاحة في منتهي الذكاء و الجمال…قررت الا تتخلي عن منزلها..و”تموت بكرامتها فيه”…لم تمت الفلاحة الجميلة وقتها و لم ينهار العقار اثرالزلزال بل ظل ثابت و علي اتم الأستعداد لصد الهزات المتتالية.. لكن “طنط ماتت بعدها بفترة لسبب ما “اعتقد ورم في المخ” لم اسأل…أيحتاج الموت لتبرير!! لم اجد تبرير لأكل “احلي رز بلبن من ايديها” رغم كرهي الشديد له.

و يستطرد البرغوثي “ يغترب عن ذكرياته فيحاول التشبث بها. فيتعالى على الراهن والعابر. انه يتعالى دون ان ينتبه إلى هشاشته الأكيدة. فيبدو أمام الناس هشا ومتعاليا. أقصد في نفس الوقت“
هشاشة…ترن الكلمة في اذني ، لا اعتقد اني دائما هشة، اعطي الحق لنفسي ان اكون كذلك في بعض الأحيان، التعميم مرفوض، لكن الوصول لمرحلة ما يستوجب اختبار عدة حالات ذهنية.
جانب جديد يظهر من شخصيتي لم اكتشفه بعد…لم أحاول تبديده علي عكس العادة…اتلذذ باكتشاف مجاهل نفسي…اري جحر عميق…يهرول داخله الأرنب الأبيض ليلحق بموعد هام في القصر…او للحاق بموعد اخر في مكان اخر…المهم انه في حالة جري مستمر…اتركه ليلحق بموعده و استريح انا في الجحر.

No comments: