Wednesday 5 March 2008

لقطات من حياة الست سعاد - ست الهوانم

فتحت الست سعاد باب الشقة استعدادا لاستقبال الجارة ثم وضعت الصينية بمحتوياتها علي مسند اليد العريض و استقرت في جلستها.
دخلت هدي و معها أمها. تغير لون الست سعاد فوراً. تحب هنومة فهي "ست كبيرة و طيبة بس عينها وحشة" ( للعلم هنومة في نفس سن الست سعاد تقريباً، لها وجه حزين أثقل الزمن خطوطه بقدر من هم فاستدارت نحو مركز الأرض). تحاول سوسو القيام من جلستها لتسلم عليها، تضع يدها علي مسند الكرسي فتنزلق و تنقلب صينية الشاي بالكامل عليها!!
تصرخ "رجلي اتشوهت...الحقوني رجلي اتشوهت". أسرعت هدي إلي الفريزر و أحضرت مكعبات الثلج في حين أصرت هنومة علي الرجوع إلي الشقة و إحضار معجون الأسنان المستورد الذي أحضرته معها من بورسعيد. صرخت سوسو فيهما و قامت بسرعة. دهنت من كريم حروق للحد من أي التهابات أو تشوهات قد تحدث.

حتي الآن تخاف الست سوسو من أن تتسب المياة الساخنة في جفاف بشرتها..علي رف الحمام تضع زجاجة صغيرة بها مزيج الجلسرين و الليمون تدعك بهم يديها و قدميها بعد الوضوء و الحمام و أي عمل قد يصيب بشرتها بالجفاف. في طريق عودتها إلي هدي و هنومة تتمتم "ومن شر غاسقٍ إذا وقب، و من شر النفاثات في العقد، و من شر حاسد إذا حسد". مقتنعة تماما بغيرة هنومة منها حيث أنها "بيضا و حلوة".

قد تتهم الست سعاد بالعنصرية إذا سمعتها تتحدث عن والدتها التركية الأصل..فتصفها بفخر "بيضا، خدودها حمرااا، شعرها خيوط دهب ناعم، تضفره بعد الحمام و كل ضفيرة تبقي قد كده" تصنع بأصبعيها السبابة و الإبهام دائرة كبيرة لم تمكنها أصابعها القصيرة من إغلاقها. ورثت سعاد عن أمها البياض و الحمار و الصفار. و رأت في نفسها هانم فطالما قالت لها والدتها إن "جمالها ملوكي" و عزز والدها الإحساس نفسه . اقتنعت الصغيرة وقتئذ و راحت ترسم حياتها علي هذا الأساس. فأمامها عدة سنين لتصبح عروس و طبعا العريس المنتظر "لازم يبقي وجيه، شيك، و ملو هدومه".
توفي والدها و اضطرت للعيش مع زوج أمها. مع ولادة أخت و أخ تجردت سعاد من أحلامها الملوكي و كان عليها أن تساعد أمها في أعمال البيت. حينها فقط قررت سعاد التنازل عن حلم الزواج من بك لا مثيل له إلا في أحلام أمها لها. علي شاب وسيم صعيدي، صحفي مشاغب، لكنه أسمر(و في عرف الست سعاد يعتبر السمار عيب كبير)...شفعت له ابتسامته و حبه للحياة عندها و تزوجا. ولأنه صحفي "ودي شغلانة مبتأكلش عيش" لم يستطع توفير الأدوات اللازمة للحياة التي طالما أرادت أن تحياها. و لأنها لم تريد شكل الحياة التي وفرها قررا أن يتلاقوا في المنتصف. هو عليه "الفلوس" و هي عليها توفير كل ما يلزم للصورة الملكية التي تناسبها.

لم يسأل هو عن التفاصيل التي كانت بطبيعة الحال سوف تفقده صوابه. "في أول الزمن" تحكي سوسو "كان هو يديني المصروف الصبح قبل ما يروح الشغل، ينزل من هنا و أنا اطلع عالست حفصة" اديها الفلوس، جوزها كان بيشغلهم، و أنا اطبخ من اللي عندي في البيت، ماما كانت بتجيلي كل أسبوع محملة.... آه من ميراث أبويا" تصمت للحظات..ثم تكرر "من ميراث أبويا" ترفع كتفيها و تلوي كفيها في اتجاه السقف متسائلة عن حقها في ميراث عيني اقتصر علي لحوم، دواجن، خضر أو فاكهة.

"كان أول الشهر يهل و الست حفصة تنزللي الفلوس، أكلم فاطمة الخياطة و ننزل علي شيكوريل نتفرج عالفساتين، أختار لي موديلين شيك كده، نشتري قماشهم و نطلع عالبيت. تقعد فاطمة عالمكنة علي ما أنا أنزل أشتري لعلي بيجاما جديدة و أرجع أحضر له غدوة حلوة تبقي هي خلصت. يومين تلاتة قبل الجمعة ما تخلص و انزل ألف علي جزمة بكعب و شراب فيليه".

يوم الجمعة الأول من كل شهر كان أهم يوم في حياة الست سعاد حيث تجتمع العائلة كلها في بيت "خالي حسن" أحد أصحاب المقام الرفيع وقتها، لم تكن زوجته أجمل من سعاد "بس العز بقي" أضاف إلي جمالها المتواضع بعد أخر.
لم تخفي غيرة "صفية مرات خالي حسن" من سعاد علي أي من أفراد العائلة، و كانت نظراتها النارية إلي أحذية و فساتين سعاد مصدر فخر و سعادة لها و أمها. فكلما ازدادت صفية غلاً...طارت سعاد فرحاً..إذ إنها نجحت رغم ضعف الامكانيات أن تظل ست الهوانم.

هدأت البقعة الحمراء في ساق الست سعاد بعض الشيء. فاستئذنت ضيفتاها في القيام لتجهيز أكل بوسي "لحسن قربت تهوهو من الجوع" (بوسي هي قطة حسنة أصغر بنات الست سعاد. هاجرت إلي الولايات المتحدة، فصعب علي الست سعاد تسريحها لفترة أنهتها بوسي ببساطة عندما قررت القضاء علي كنبة الست سوسو الكابيتونيه).
أفرغت سوسو اللبن في الطبق الأبيض و أضافت له مكعبات العيش الفينو ووضعته علي الأرض. خرجت بوسي مسرعة من مخبئها في اتجاهه، رفعت رأسها بحدة و قالت بعينيها "بس كده؟؟" لبن!! أنا بشرب لبن؟ أدارت ظهرها بكبرياء و أسرعت عائدة إلي مخبئها. وقفت الست سوسو بين المطبخ و غرفة ابنتها لتحايل القطة المدللة " طب تعالي بس، دأنا خايفة عليكي..هجبلك الأكل بعد ما هنومة تمشي". وقفت بوسي ثم أدرات رأسها لسوسو و أبتسمت بخبث.

11 comments:

E N G Y said...

gameela awyyyyyy ya nerro

Dina El Hawary (dido's) said...

Gamila Gamila Gamila ...
برافو كبيرة للكاتبة الرائعة نرنورة
I want to meet el set Soaad ba2a ;)

Nerro said...

Merci ya Engy :D

Dido: enti el gamila walahi. ta3alai tayeb a3arafek 3aleha

Dr. Eyad Harfoush said...

أحب كتاباتك في مصر ، و مصر في كتاباتك ، مصر الطفولة و الصبا التي لا أراها اليوم كثيرا ، تحية و تقدير

Nerro said...

مش عارفة أقولك ايه بس؟؟ شكرا عالكلام الجميل :))

Anonymous said...

Ya benty your attention to details is stunning :) And I love the short quotes elly fel nos keda... makes the text vivid and brings el Sett Soso to the foreground always.

Waiting for more :)

Nerro said...

thanks a lot ya Mayo xoxo :D

Unknown said...

as usuall , you are a spirited writer and I enjoyed the story details more than anything.

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتي نرمين
أين الحكايات الجديدة؟ أين الست سعاد؟ لماذا هي صامتة تلك البيئة المصرية التي تفوح بمصريتها فتبهج القلب و النفس؟

Nerro said...

Thanks a lot Hesham :D

Dear Eyad: just too much work and don't really have enough time to concentrate, but will resume soon isa. Thank you dear for your concern and support.

Hamed Ibrahim said...

منذ فترة فقدت اهتمامي بمتابعة المدونات بكثب على عكس السابق ربما لأسباب لسنا في محل لذكرها الآن

وربما لم أقرأ يوما مدونة من أولها لآخرها .. ربما قرأت كل التدوينات من العام 2005 ربما لأنني كنت أحتاج الحكايات البسطية والأحلام البسيطة وإحساس الشيكولاتة والورود والفل والكاكاو

ربما قرأت باستفاضة لأن العالم من حولي-على الأقل- كما أراه لم يعد قادرا على الحلم .. يرى أصدقائي أنني أحد مولدات الأحلام رغم تعجبي من هذا
"تعجبين من سقمي .. صحتي هي العجب"

أتعجب لماذا أنا أحلم بهذا الكم رغم أنه المفترض أن أكون في آخر صفوف الحالمين بعد هذا الكم من الصدمات
صدمات الحلم وآلام الواقع الغبي الذي يخلقه من حولك غصبا عن الحلم الجميل الذي أؤمن أن مؤكد تحقيقه

بوستات اسكندرية .. والطقس والمنظر والذكريات اللاتي عشتها وعشقتها وآلمتني في نفس الوقت بكم ما أسعدتني وقتها

كتبت في مرة
"! الحالمون يتكبدون عناء بناء الحلم وعناء غباء الواقع وفي النهاية شقاء الصدمة "

لا أزعم أن الأحلام البمبية هي الأفضل .. فأي حلم بأي لون جميل
ما أجمل أن تجعل حياتك كلها تتناسج على شكل حلم فيه أمل وحب وحياة حتى ولو استيقظت مرات على صدمات

تحياتي نرمين