Monday 20 April 2009

قصاقيص من بيروت



مساء السبت؛

أخرجت كتابي ومشغل الموسيقي من شنطة الظهر الصغيرة وأستقريت في مقعدي، أنا من هؤلاء الذين يربطون احزمة الأمان حتي قبل اقلاع الطائرة. أعرف التعليمات مسبقا فأطبقها حتي قبل سماعها بفترة حتي لا يشغلني عن عالمي الذي سأنتقل اليه بعد قليل أي شئ حتي لو كان صوت قائد الطائرة كابتن س ص معلنا بهدؤ اننا سنكون في بيروت "ست الدني" في خلال ساعة طبعا هو لا يقول "ست الدني" لكن فيروز تفعل. وان قارنت بين كابتن س ص وفيروز بالطبع سأقتنع بكلام فيروز وتقترن دائما عندي بيروت بلقب "ست الدني".

جاء مقعدي بجانب الشباك وكنت سعيدة لأني سأحضر وقت الغروب في السماء، فأنا عاشقة للغروب علي الأرض، و في البحر، لكن هذه أول فرصة للتقرب بيننا هكذا لا يفصل بيننا الا نافذة زجاجية تقيني من جنون اللحظة التي ستري فيها عيني تحول السماء من الأصفر للبنفسجي المشبع بحمرة تتحول فجأة لأزرق قاتم.

علي يساري فتاة تبدو غير مرتاحة وقلقة أسألها ان كانت خائفة وأحاول طمأنتها فما كانت الا ان استغلت الفرصة وطلبت مني التنازل عن مقعدي لأنها علي وشك ان تتقيأ. تنازلت عن حلمي الصغير بسرعة، وجلست في المنتصف بينها وبين عجوز عرفت من لهجته انه لبناني، " لمح كتاب "اليس في بلاد العجائب في يدي فضحك وقال لي بأنجليزية أجادها "لا تحزني، فبعد قليل ستدخلين عالم العجائب" أبتسمت ولم أرد.

أقلعت الطائرة وفتحت كتابي وشغلت موسيفاي، إلا ان صديقتي في المقعد المجاور كانت قد عقدت العزم ان تتلهي بالكلام حتي تتغلب علي فوبيا الطيران التي كادت ان تفقدها عقلها، أشفقت عليها . بدأ الحديث ولم ينته الا عندما فاجئنا صوت الكابتن س ص ثانية ملعنا اقتراب اللحظة التي سنهبط فيها علي أرض "ست الدني ". قلت لها حمد الله علي السلامة" أبتسمت رغم نسياني الغروب الذي كنت قررت ان اتابع موقفه عن بعد، واستدرت لأري ان كان جاري العجوز قد استيقظ من غفوته ام لا. أبتسم وقال لي "مرحبا بك يا أليس في بيروت".

في السيارة الأجرة التي أفلتني الي الفندق جلست أدور بعيني رغم الظلام لأتعرف علي بيروت وساعدني السائق كثيرا بشرحه الغيرلمفصل حيث اكتفي بأسامي الشوارع التي حفظتها قبل الزيارة اصلا، لكني أثرت ان اسمعها منه ثانية.

في الفندق هاتفت أمي ونفضت عني رائحة السفر تحت رشاش المياه، ونزلت الي عامل الأستقبال. تركت مفتاح الغرفة وخرجت. الفندق في شارع صغير متفرع من الحمرا، مشيت قليلا حتي واجهتني المحال التجارية وصخب السياح ولافتة "ملك البطاطا".... فتمتمت "هذه بيروت".

صباح الأحد؛

أستيقظت قبل ان تستيقظ بيروت. جلست في الشرفة في انتظار موعد الأفطار فرأيت في البناية المواجهة سيدة تروي اصص زرع تخيلت انها ستحييني مرحبة؛ هكذا الحال مع السيدات الشوام أو هكذا تخيلت بعد تجربتي مع "الليدي كارلا أوف جبيل" مثلما أطلقت عليها، قابلتني بالأمس وانا اتسائل عن حشو المناقيش، تعرفت علي لهجتي المصرية، ورحبت بي بشدة، تنزهنا في الحمرا سويا ووصفت لي كل المحال والطرق التي اردت الأستفسار عنها وقبل ان تتركني كتب لي رقم "السيليولير" حتي اهاتفها في اي وقت ان احتجت الي اي شئ.

تناولت افطاري بسرعة، وخرجت. مشيت من الحمرا متجهة الي الكورنيش. توقفت لشراء قهوة ثم تابعت بعد ان تأكدت من البائع اني في الأتجاه الصحيح. عندما وصلت الي الكورنيش كان علي ان اتأكد من الأتجاه الي الروشة فعلي الرجوع بعد قليل الي الفندق لمتابعة عملي. أتبعت حدسي فرأيتها. جلست علي مقعد أمام الصخرة التي استحوذت علي تفكيري قبل ايام من السفر حيث كنت بدأت قرأة "رالف رزف الله في المرأه"...رغم ضيق النفس الذي اصابني عند رؤيتها لم افكر ان ابرح مكاني فرائحة الهواء رغم لزوجته مع دفعة الأدرينالين شكلا ثنائيا مدهشا لا يقاوم.

مساء الأحد؛

تأخرت علي موعد الأصدقاء وهو أمر غير متوقع فهم يعرفون هوسي بدقة المواعيد. عندما وصلت بعد موعدي بأكثر من نصف ساعة، وقبل ان يبادروني بالسؤال الذي ظهر علي وجوههم أجبت بسرعة. "كنت ببرم" و نسيت نفسي. لم يصدق احد الأصدقاء نفسه حيث ظن ان ما أفعله درب من الجنون. "بتبرمي!! لوحدك!!" تجاهلت السؤال. لم أشعر بالغربة ولو للحظة منذ وصلت، فهناك نوع غريب من الألفة ربطني بها يمكن قبل ان أصل اليها. ولأتصل بالمكان كان علي التجول في ارجائه والتعرف علي تفاصيله.

تركت التفاصيل التي امتعتني و حكيت عن زيارتي لمغارة جعيتا، أعجبتني لكن الطريق اليها اعجبني اكثر، طريق حلزوني، قيادة سريعة لم تمكني من التمتع بمنظر الجبال...توقف السائق عندما اتسع الطريق فرأيت "بيروت من فوق"...أحببتها من فوق، رغم خوفي من المرتفعات.

كان موسم التنريلات ورغم اني لست من محبي الشراء الا اني لم اقوي علي مقاومة الأغراء. فأنفقت قيمة مرتب شهرين في ساعة. جلسنا نتناول العشاء في أحد المطاعم . اثناء العشاء أشرت الي انني لا أشعر بالأختلاف بين هذا المول وبين أخر في دبي، أو مصر....نفس التصميم، نفس المحلات، نفس المطاعم، ونفس الأكل. "المنافيش بتاعة امبارح كانت لبناني...بس الباستا جلوبال".

الأثنين؛

أقلتني السيارة الأجرة الي المطار. وعندما سألني السائق عن انطباعي. أجبت انها كانت رحلة عمل فلم استطع التعرف علي المدينة أو علي البلد. لكن في داخلي كنت أردد جملة الياس خوري " بيروت هكذا، دهشة الأشياء الغريبة التي تعطيك شعورا غامضا بالألفة"


4 comments:

Dina El Hawary (dido's) said...

helwa el travel diaries dee :) you make me so wanna visit now! Beirut is a dream spot indeed ...

missed your Arabic writings ya nerro ba2a !!

Nerro said...

:D I miss Beirut...I so want to go tani ya Dido. But a loooooooong visit

Anonymous said...

How come this is the first time I read this!!!

I miss reading you in Arabic awy ya Nerro! I enjoyed reading these diaries very much. Pleath write more :)

Dr. Eyad Harfoush said...

حملتني مذكراتك هذه عن سفرتك يا عزيزتي لذكريات من عام 1996 حين كانت سفرتي الأولى لبيروت، الروشة ومناقيش الجبن وبان روز أحد أبنية سكن الجامعة الأمريكية ببيروت حيث أقمت يومها، لكن الجبل كان الأروع والأبهى عندي في لبنان، حيث الجو الذي لم أجد له مثيلا في أربعة أقطار الأرض، وروح الأسرة اللبنانية في الضياع الصغيرة والتي لم أجد لها مثيلا كذلك
تحياتي وتقديري