Monday 4 February 2008

لقطات من حياة الست سعاد - علي سفر

بعد أن أصبحت جدران شقتها القاهرية الأربعة لا تحتمل و لا تطاق، حسمت الست سعاد أمرها، وضبت الجرابندية و أعدت كوب شاي لتشربه مع بقسماطة، ارتدت ما حلي لها من ثياب أنيقة ، أمضت أكثر وقت ممكن لانتقاء طرحة تلائم الطقم الزيتي الجديد (فرغم سنينها التي تخطت السبعون بخمسة مازالت تحتفظ ببريق أربعيني و مسحة من جمال سينمائي تشهد عليه صور صالونها)، صلّت الفجر، و توكلت علي الله.

توقفت السيارة الأجرة أمام باب بناية علي ناصيتين إحداهما تطل علي البحر و الأخرى علي شارع خالد بن الوليد، ترجلت الست سوسو من السيارة ووقفت أمام الباب رآها البواب فهرع و رفع الجرابندية عن يداها المتعبتين بفعل الزمن و الروماتويد. أنتظر البواب لتسبقه هي في الصعود لكنها استدارت و بدأت تمشي في اتجاه خالد بن الوليد...لحظات و استدارت ثانية كأنها تذكرته فجأة و قالت بنعرة تركي مألوفة لمن يعرفها و مثيرة للحنق لمن لا يعرفها "إطلع انت، أنا جايّة وراك".

قطعت الشارع بالورب حتي و صلت إلي اللبّان (سوبر ماركت حاليا) لكنها لم تقتنع بالمسمي الجديد، طلبت عشر بيضات بلدي، ربع فلمنك، مع أربع علب زبادي بلدي و أثنين كيلو لبن!! حملت كيس الكولسترول فرحة إلي بيتها مرة أخري..قابلها البواب فمدت يدها "باللي فيه القسمة" و صعدت إلي الطابق الرابع. وضعت المفتاح في الباب ، بسملت و تمتمت بآيات قرآنية. حركت المفتاح و ضغطت علي الباب "المزرجن بفعل الرطوبة" بكتفها.

"عفارم يا نادية" أول ما قالت عندما و جدت أثار النظافة و رائحة الفنيك ممتزجة بتركيبة خاصة لمكافحة الصراصير يعرفها ال بيت الست سعاد جيدا . لمن لا يعرف نادية، هي ابنة الحاجة فايزة- رحمها الله- الكبرى، التي توفيت و تركت لها ميراث لا بأس به، مع توكيلها بمهمة تنظيف بيت الست سعاد. نادية سمراء نحيلة و قصيرة، شعرها اسود قصير "ألاجرسون"، أسنانها بارزة بعض الشئ و لها ضحكة مميزة. ورثت إلي جانب العمارة و الجراج، و تنظيف بيت الست سوسو أختين؛ احداهما ترتدي حلة شابة في الثلاثين لكنها أثرت أن تظل طفلة في الخامسة، انتظر أهلها أن يصل نموها العقلي لمستوي نموها الجسماني و لكن طال الانتظار. منهم من توفي، و أخر سافر/هرب، أو تزوج، وأكثرهم فقد الأمل و أعتمد علي نادية في العناية بميرفت.

أما الثانية فكانت في يوم من الأيام - و العهدة علي الراوي (الست سعاد في هذه الحالة)- تهتز لها شوارع الأسنكدرية عند خروجها "لكن يا قلبي إتحسدت"، تعرضت لحادث و أصبحت ضريرة لا تستطيع فرق ليلها عن نهارها إلا بسماع أذان الفجر، "هي الصلاة خير من النوم دي اللي بتعرفني الفجر من العشاء" .
ترحمت سعاد علي فايزة و شرعت في رص بيضاتها في عيون الثلاجة الأيديال الصغيرة - التي اتخذت من غرفة الجلوس مقر لها منذ السبعينات- عندها سمعت نقرتين علي الباب، "ادخلي يا نادية" قالتها بثقة، فنقرتيها علي الباب علامة تميزها. أقبلت نادية وقبلت الست سوسو و عينيها علي البيض " إيه يا سوسو، لمين البيض ده!!" أغلقت سعاد باب الثلاجة بسرعة و ضحكت قائلة "إن حلي زادك كله كلّه، يفوت عليك وقت ما تشمه".

جهزت نادية الشاي بلبن في حين انتهت سعاد من حمامها و ارتدت جلبابها السكندري المحبب (قطيفة نبيتي بسفرة). "نعيما يا قمر" تقولها نادية و هي تغمز بعينها اليمني وهي تهم بوضع الصينية علي الطاولة في غرفة الجلوس. "ينعم عليكي و يغنيكي يا بنت فايزة، لأ هنشرب الشاي في الفراندة"
"تبردي!!" قالتها نادية باندهاش
تسبقها إلي الفراندة "لأ، بس تعالي"

وضعت نادية الصينية علي ظهر العشة و أحضرت كرسيين وضعتهم في جانب الفراندة المطل علي البحر و خرجت مسرعة. وقفت الست سعاد بجوار العشة و في يدها اليمني طبق ملئ بكعب الغزال -لحين تأتي نادية بطاولة صغيرة-و مدت يدها الأخرى بسرعة تتحسس باب العشة لتتأكد أن أحداً لم يكسره أو حتي حاول فتحه. يتعجب البعض من اهتمام الست سعاد بعشتها و خوفها عليها، لم تهتم ابدا بتوضيح أهمية العشة لهؤلاء فهي مثل صندوق الدنيا مليئة بتليفزيونات و راديوهات، بطاطين، و أكواب بوهيمي، كل شئ حتي مشابك الغسيل. -كل شئ ملك الست سعاد ثمين "حتي لو كان ترمس من عالبحر"- لكل شئ في حياتها قيمته.

تطمئن و تجلس بجوار نادية لتحتسيان الشاي. تلمح شقوق بعرض سور الفراندة، ينقبض صدرها، تحول نظرها إلي الجهة الأخرى من السور المطل علي الحزب الوطني فتري الشقوق و قد حفرت قبور لثعابين بيضاء رفيعة رأتهم مرة في مولد المرسي أبو العباس. تهز رأسها بعصبية كأنها ترفض تصديق فكرة معينة أو تحاول إبعادها بقوة، لكنها لا تفلح. فحين نظرت إلي العمارة المقابلة رأت سور سطحها الذي طالما أوي أم فتحي العجوز التي تجاوزت المئة عام بقليل و قد تهدم . شهقت و سألت "أمال أم فتحي فين؟"
ردت نادية "وقعت من علي السطوح، الله يرحمها يا سوسو الولية و قعت من فوق مرتين قبل كده، بس التالتة تابتة"

8 comments:

Dina El Hawary (dido's) said...

Ya Narnoura :)
I loved the story .. I imagined el set Soaad and Nadia, how they look, and what level they are from!
Lovely written begad, this piece is a leap in your style!! keep up the good work and I will stay tuning to read the rest of "Beit el Set Soaad" stories ...

Nerro said...

Thanks ya Dido :D
That's very encouraging..stay tuned ;)

Eman M said...

eh dah?
ana dakhlt mmawqe3 qesas le adeeb keber wala eh?

eh dah? maza aqol?
ur style has improved gedan!!!
7assa eni ba2ra rewaya begad!

Dina El Hawary (dido's) said...

مش كده ونبي يا إيمان !!!!

Nerro said...

eih el kalam el kebeer da ya Emi, walahi you made my day :D am happy begad.

@Dido: enti folla

Anonymous said...

يا نيرمين..ظريفة جداً واللغة بسيطة وسلسة بلا فذلكة.بس انا حاسس إن النهاية جاءت فجأة و:اني مستني امتداد ليها، أو ربما سلساة من حكايات الست سعاد

Nerro said...

هي المفروض سلسلة يا ياسر...

Anonymous said...

e7em e7em...now after knowing that it is "3ala safar" and nothing else I think I can comment here (God, I am so glad nobody knows what I am talking about:D estory 3alaya ya Nerro:D)

When I firt read this, I thought it is for a writer from the 60's keda mesh 3arfa leih! I liked awy your attention to tiny details here "qateefa nebeety be sofra!!!" I feel this can trun actually into a novel. It has the diversity of characters, the description of the places (amazing), and the threads of a plot.

So2al 3awees, ya3ny eih "gerebendaya"! Be merciful on ignorant people like myself :)